فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثاني: أنه معطوفٌ على {صرفكم}.
قال الزمخشريُّ {فَأَثَابَكُمْ} عطف على صرفكم، وفيه بُعْدٌ؛ لطول الفصل وفي فاعله قولان:
أحدهما: أنه الباري تعالى.
والثاني: أنه معطوف على {صرفكم}.
قال الزمخشريُّ {فَأَثَابَكُمْ} عطف على صرفكم، وفيه بُعْدٌ؛ لطول الفصل وفي فاعله قولان:
أحدهما: أنه الباري تعالى.
والثاني: أنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: ويجوز أن يكون الضمير في {فَأَثَابَكُمْ} للرسول أي: فآساكم من الاغتمام، وكما غمكم ما نزل به من كسر رباعيته غمه ما نزل بكم من فوت الغنيمة.
و{غمًا} مفعول ثانٍ.
وقوله: {فَأَثَابَكُمْ} هل هو حقيقة أو مجاز فقيل: مجاز كأنه جعل الغم قائمًا مقام الثواب الَّذِي كان يحصل لولا الفرارُ فهو كقوله: [الطويل]
أخَافُ زِيَادًا أن يكون عَطَاؤُهُ ** أدَاهِم سُودًا أوْ مُحَدْرَجَة سُمْرَا

وقول الآخر:
تحية بينهم ضرب وجميع

جعل القيود والسياط بمنزلة العطاء، والضرب بمنزلة التحية.
وقال الفرّاءُ: الإثابة- هاهنا- بمعنى المعاقبة وهو يرجع إلى المجاز؛ لأن الإثابة أصلها في الحسنات.
قوله: {بِغَمٍّ} يجوز في الباء أوجهٌ:
أحدها: أن تكون للسببيةِ، على معنى أن متعلِّق الغَمْ الأول الصحابة، ومتعلق الغَمِّ الثاني قيل المشركين يوم بدرٍ.
قال الحَسَنُ: يريد غَم يوم أحدٍ للمسلمين بغمّ يوم بدرٍ للمشركينَ، والمعنى: فأثابكم غمًا بالغم الذي أوقعه على أيديكم بالكفار يوم بدرٍ.
وقيل متعلَّق الغَمِّ الرسول، والمعنى: أذاقكم الله غمًّا بسبب الغَمِّ الذي أدخلتموه على الرسول والمؤمنين بفشلكم ومخالفتكم أمره، أو فأثابكم الرسول غمًا بسبب غفم اغتممتموه لأجله، والمعنى أن الصحابة لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم شُجَّ وكُسِرت رَبَاعِيَتُه، وقُتِل عَمه، اغتممتموه لأجله، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لما رآهم قَد عَصَوْا رَبَّهُم لأجل الغنيمة- ثم بَقَوْا محرومينَ من الغنيمةِ- وقتِلَ أقاربُهم، اغتم لأجلهم.
الثاني: أن تكون الباء للمصاحبة، أي: غمًا مصاحِبًا لغم، ويكون الغمَّان للصحابة، بمعنى غَمًّا مع غم أو غمًا على غم، فالغم الأولُ: الهزيمة والقتل، والثاني إشراف خالد بخيل الكفار، أو بإرجافهم: قتل الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى الأول تتعلق الباء بـ {فَأَثَابَكُمْ}.
قال أبو البقاء وقيل: المعنى بسبب غم، فيكون مفعولًا به.
وعلى الثاني يتعلقُ بمحذوفٍ؛ لأنه صفة لِغَمّ أي: غمًا مصاحبًا لغم، أو ملتبسًا بغَمٍّ، وأجاز أبو البقاء أن تكون الباءُ بمعنى بعد أو بمعنى بدل وجعلها- في هذين الوجهين- صفة لـ {غمًا}.
وكونها بمعنى بعد وبدل بعيدٌ، وكأنه يريدُ تفسير المعنى، وكذا قَالَ الزمخشريُّ غمًا بَعْدَ غَمٍّ.
قوله: {لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ} هذه لام كي وهي لام جرٍّ، والنصب- هنا- بكي لئلاَّ يلزم دخول حرفِ جرٍّ على مثله، وفي متعلَّق هذه اللام قولانِ:
أحدهما: أنه {فَأَثَابَكُمْ} وفي لا على هذا وجهانِ:
الأول: أنها زائدةٌ؛ لأنه لا يترتب على الاغتمام انتفاء الحُزْن، والمعنى: أنه غمهم ليُحْزِنهم؛ عقوبةً لهم على تركهم مواقفهم، قاله أبو البقاء.
الثاني: أنها ليست زائدة، فقال الزمخشريُّ: معنى {لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ} لتتمرَّنوا على تجرُّع الغمومِ، وتتضرروا باحتمال الشدائد، فلا تحزنوا فيما بعدُ على فائتٍ من المنافع، ولا على مُصِيبٍ من المضارّ.
وقال ابن عطية: المعنى: لتعلَمُوا أن ما وقع بكم إنما هو بجنايتكم، فأنتم ورَّطتم أنفسكم، وعادة البشر أن جاني الذنب يصبر للعقوبة، وأكثر قلق المعاقب وحزنه إذا ظن البراءة من نفسه.
ثانيهما: أن اللام تتعلق بـ {عَفَا} لأن عَفْوه يُذْهِب كُلَّ حُزْن، وفيه بُعْدٌ؛ لطول الفَصْلِ. اهـ. بتصرف يسير.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

قوله: {إِذْ تُصْعِدُونَ} الإشارة من هذه الآية لأقوام تقع لهم فترة، ودواعي الحق سبحانه- من أنفسهم، ومن جميع الأقطار حتى كأنّ الأحجارَ من الشوارع واللَّبِنَ من الجدران- تناديه: لا تفعل يا عبد الله! وهو مُصِرٌّ في ليِّه، مقيمٌ على غيِّه، جاحد لِمَا يعلم أنه هو الأحقُّ والأولى من حاله، فإذا قضى وطره واستوفى بهمته، فلا محالة يمسك من إرسال عنانه، ويقف عن ركضه في ميدانه، فلا يحصل إلا على أنفاس متصاعدة، وحسراتٍ متواترة؛ فأورثه الحقُّ سبحانه وحشةً على وحشة. حتى إذا طال في التحسُّر مقامه تداركه الحق سبحانه بجميل لطفه، وأقبل عليه بحسن عطفه، وأنقذه من ضيق أسره، ونقله إلى سعة عفوه وفضله، وكثيرٌ مِنْ هؤلاء يصلون إلى محل الأكابر ثم يقفون بالله لله (....) ويقومون بالله لله بلا انتظار تقريب ولا ملاحظة ترحيب. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ}.
هنا جاء لهم بلقطة من المعركة، حتى إذا سمع كل واحد منهم هذا الكلام يستحضر الصورة المخزية التي ما كان يصح أن تحدث، {إِذْ تُصْعِدُونَ}، فيه تَصْعد، وفيه تُصعِد وهنا {تُصْعِدُون} من أَصْعَد، وأصعد أي ذهب في الصعيد، والصعيد الأرض المستوية حتى تعينه على سرعة الفِرار. إنما صَعِدَ تحتاج إلى أن يكون هناك مكان عالٍ يصعدون إليه. وهم ساعة أرادوا أن يفروا جَرَوْا إلى الأرض السهلة ومَشَوا، فكل منهم لا يريد أن يتعثر هنا أو هناك، إذن فالمناسب لها {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ} والفار لا ينظر هنا أو هناك؛ ليس أمامه إلا الأرض السهلة.
{وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ} أي لا تعرجون على شيء، والأهم من ذلك أن هناك تنبيها من القائد الأعظم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يدعوكم {والرسول يدعوكم في أخراكم} أي يناديكم من مؤخرتكم طالبا منكم العودة إلى ميدان القتال {فأثابكم غما بغم}. أنتم غَمَمْتُم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنكم خالفتم أوامره، فوقفكم الله هذا الموقف.
كلمة {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} كأنه يقول: عاقبكم. ولكنه سبحانه يأتي بها مغلفة بحنان الألوهية {فَأَثَابَكُمْ}. إذن فهي ثواب.. أي أن الحق سبحانه وتعالى بربوبيته وبألوهيته؛ يعلم أن هؤلاء مؤمنون فلم يَقْسُ عليهم، قال: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} فكأن ما حدث لكم تخليص حق.
{لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ} ولو لم تحدث مسألة الحزن والخزي والذلة لشغلتكم مسألة أنكم فاتتكم الغنائم والنصر، ولظل بالكم في الغنائم؛ لأنها هي السبب في هذا. كأن الغم الذي حدث إنما جاء ليخرج من قلبكم لقطة سيل اللعاب على الغنيمة. وما أصابكم من القتل والهزيمة، {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي أنه سبحانه يقدر ما الذي استولى عليكم، لأن من الجائز {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} أنهم لم يسمعوا النداء من هول المعركة، {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وهو سبحانه خبير بكل فعل وإحساس. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)}.
أخرج ابن جريرعن الحسن البصري أنه قرأ {تصعدون} بفتح التاء والعين.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {تصعدون} برفع التاء وكسر العين.
وأخرج ابن جرير عن هرون قال: في قراءة أبي بن كعب إذ تصعدون في الوادي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس {إذ تصعدون} قال: صعدوا في أحد فرارًا يدعوهم في اخراهم «إليّ عباد الله ارجعوا، إليّ عباد الله ارجعوا».
وأخرج ابن المنذر عن عطية العوفي قال: لما كان يوم أحد وانهزم الناس، صعدوا في الجبل والرسول يدعوهم في أخراهم فقال الله: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل أنه عن قوله: {إذ تصعدون} الآية. قال: فروا منهزمين في شعب شديد لا يلوون على أحد، والرسول يدعوهم في أخراهم «إليّ عباد الله، إليّ عباد الله. ولا يلوي عليه أحد».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {إذ تصعدون} الآية. قال: ذاكم يوم أحد صعدوا في الوادي فرارًا ونبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم في أخراهم «إليّ عباد الله، إليّ عباد الله».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم} فرجعوا وقالوا: والله لنأتينهم ثم لنقتلنهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مهلًا فإنما أصابكم الذي أصابكم من أجل أنكم عصيتموني» فبينما هم كذلك إذ أتاهم القوم وقد أيسوا، وقد اخترطوا سيوفهم {فأثابكم غمًا بغمٍّ} فكان غمُّ الهزيمة، وغمُّهم حين أتوهم {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم} من الغنيمة {وما أصابكم} من القتل والجراحة.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف {فأثابكم غمًا بغم} قال: الغم الأول بسبب الهزيمة، والثاني حين قيل قتل محمد. وكان ذلك عندهم أعظم من الهزيمة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فأثابكم غمًا بغم} قال: فرة بعد الفرة الأولى حين سمعوا الصوت أن محمدًا قد قتل، فرجع الكفار فضربوهم مدبرين حتى قتلوا منهم سبعين رجلًا، ثم انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يصعدون في الجبل والرسول يدعوهم في أخراهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {فأثابكم غمًا بغم} قال: الغم الأوّل الجراح والقتل، والغم الآخر حين سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل. فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل، وما كانوا يرجون من الغنيمة.
وذلك قوله: {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم}.
وأخرج ابن جرير عن الربيع. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة، فلما رأوه وضع رجل سهمًا في قوسه فأراد أن يرميه فقال: «أنا رسول الله». ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًا، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع. فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذهب عنهم الحزن، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا، فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم، فلما نظروا إليه نسوا ذلك الذي كانوا عليه، وهمهم أبو سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس لهم أن يعلونا، اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد». ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم فذلك قوله: {فأثابكم غمًا بغم} الغم الأوّل ما فاتهم من الغنيمة والفتح، والغم الثاني اشراف العدوّ عليهم {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم} من الغنيمة {ولا ما أصابكم} من القتل حين تذكرون فشغلهم أبو سفيان.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: أصاب الناس حزن وغم على ما أصابهم في أصحابهم الذين قتلوا، فلما تولجوا في الشعب وقف أبو سفيان وأصحابه بباب الشعب، فظن المؤمنون أنهم سوف يميلون عليه فيقتلونهم أيضا، فأصابهم حزن من ذلك أنساهم حزنهم في أصحابهم. فذلك قوله سبحانه: {فأثابكم غمًا بغم}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (154):

قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِالله غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمر مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ الله مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَالله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان أمانهم بعد انخلاع قلوبهم بعيدًا، ولاسيما بكونه بالنعاس الذي هو أبعد شيء عن ذلك المقام الوعر والمحل الضنك عطف بأداة البعد في قوله: {ثم أنزل عليكم} ولما أفاد بأداة الاستعلاء عظمة الأمن، وكان متصلًا بالغم ولم يستغرق زمن ما بعده أثبت الجار فقال: {من بعد الغم} أي المذكور وأنتم في نحر العدو {أمنة} أي أمنًا عظيمًا، ثم ابدل منها تنبيهًا على ما فيها من الغرابة قوله: {نعاسًا} دليلًا قطعيًا فإنه لا يكون إلا من أمن؛ روي البخاري في التفسير عن أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه قال: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه. ولما كان لبعضهم فقط استأنف وصفه بقوله: {يغشى طائفة منكم} وهم المؤمنون، وابتدأ الأخبار عن الباقين بقوله: {وطائفة} أي أخرى من المنافقين {قد أهمتهم أنفسهم} لا المدافعة عن الدين فهم إنما يطلبون خلاصها، ولا يجدون إلى ذلك فيما يظنون سبيلًا لاتصال رعبهم وشدة جزعهم، فعوقبوا على ذلك بأنه لم يحصل لهم الأمن المذكور، ثم فسر همهم فقال: {يظنون بالله} المحيط بصفات الكمال {غير الحق} أي من أن نصره بعده هذا لا يمكن، أو أنهم لو قعدوا في المدينة لم يقتل أحد، ونحو ذلك من سفساف الكلام وفاسد الظنون التي فتحتها لو والأوهام {ظن الجاهلية} أي الذين لا يعلمون- من عظمة الله سبحانه وتعالى بأن ما أراده كان ولا يكون غيره- ما يعلم أتباع الرسل.
ثم فسر الظن بقوله: {يقولون} أي منكرين لأنه لم يجعل الرأي رايهم ويعمل بمقتضاه غشبًا وتاسفًا على خروجهم في هذا الوجه وعدم رجوعهم مع ابن أبيّ بعد أن خرجوا {هل لنا من الأمر} أي المسموع، ولكون الاستفهام بمعنى النفي ثبتت أداة الاستغراق في قوله: {من شيء} فكأنه قيل: فماذا يقال لهم؟ فقيل: {قل} أي لهم ردًا عليهم احتقارًا بهم {إن الأمر} أي الحكم الذي لا يكون سواه {كله لله} أي الذي لا كفوء له، وليس لكم ولا لغيركم منه شيء، شئتم أو أبيتم، غزوتم أو قعدتم، ثبتم أو فررتم.
ولما قص سبحانه وتعالى عليهم بعض أمرهم في هذه الحرب، وبين لهم شيئًا من فوائد ما فعل بهم بقوله: {إن يمسسكم قرح} [آل عمران: 140] وكان من جملة ذلك ما أظهر من أسرار المنافقين بهذه الوقعة في اتهامهم الله ورسوله، حتى وصل إلى هنا، وكان قولهم هذا غير صريح في الاتهام لإمكان حمله على مساق الاستفهام أخبر سبحانه وتعالى بتدليسهم بقوله: {يخفون} أي يقولون ذلك مخفين {في أنفسهم ما لا يبدون لك} لكونه لا يرضاه اللهز ثم بين ذلك بعد إجماله فقال: {يقولون لو كان لنا من الأمر} أي المسموع {شيء ما قتلنا هاهنا} لأنا كنا نمكث في المدينة ولا نخرج إلى العدو.